قمة العجب.. والأعجب منه: بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى


قمة العجب.. والأعجب منه

نادية كيلاني: المشهد 6-9-2011 | 09:30
يظلون يرددون نحن خدام الشعب، ولا إرادة فوق إرادة الشعب، ولا شرعية لنا إلا من الشعب، وما نحن إلا منفذون لرغباته، وعاملون على النهوض به، وتوفير الحياة الكريمة له .. و .. و .. ولما يطلب الشعب منهم التنحي بالحسنى لأنهم لم يفوا، ولم يفعلوا، ولم يستطيعوا، يرفضون!! ويشمرون عن سواعدهم ويقومون بقتل هذا الشعب الذي أتى بهم.. بل يستجلبون له  المرتزقة يقتلونهم.. ويخلصون في قتالهم وتعذيبهم بوحشية وكأنهم يحاربون عدوهم الذي اغتصب أرضهم وعرضهم!! أليس من حقي أن يتملكني العجب؟!.

والعجب جعلني أتأمل المشهد بعين محايدة، على أي شيء يناهض هؤلاء الحكام شعوبهم وبأي قوة يحاربونها، ولماذا من أولوياتهم أن يحصنوا أنفسهم فيحفظون ما ينهبون من أموال شعوبهم في بنوك خارج بلادهم، ويؤمنون أنفسهم بالخارج والداخل.. لماذا؟ أليس لإحساسهم بأنهم سيطردون يوما!! وأن ما معهم ليس حقهم.. والأعجب منه رغم هذا أن تجد لهم أنصارا ومحبين ومساندين ومدافعين حتى بين النخبة والمثقفين!!

 ولن أتبع سياسة التخوين متهمة هؤلاء المساندين بالمنتفعين، لا بل سأسلم بأنهم يحبون فعلا هذا الحاكم  أو ذاك ويرون فيه ما لا يراه جموع المحتجين عليه.. لمست هذه الحقيقة بنفسي في الشأن السوري خاصة، فتحينت الفرصة حتى ساقتني الظروف لأن أتحاور مع صديقي السوري.. المثقف صاحب الرؤية والرأي، وجدته يتهم الثوار بالعصابات وبالشبيحة، ملتمسا العذر لبشار فيما يفعل قائلا: لقد حقق لهم الكثير من مطالبهم، ماذا يريدون أكثر من ذلك؟!

 إذن لابد أن يتخذ الحوار معه منهجا مختلفا، وغير مألوف فقلت له:

عندنا في إسلامنا الذي هو مرجعيتنا قاعدة فقهية تقول: "درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة" فلو كان بشار الأسد فيه منفعة فهذه المنفعة الآن توقفت بثورة الناس عليه، ومحاربته لهم وإراقة الدماء أنهارًا فيه مفسدة كبيرة، لماذا لا تقفون بجانب أخف الضررين، يروح بشار بما فيه من منفعة، ويأتي غيره  به أيضا بعض المنفعة، ثم إنه بالفعل غير مخلد، في يوم ما سيروح ويأتي غيره، لماذا لا تتلبسكم الحكمة، وتتلبسه النخوة، ويسلم السلطة مختارا تنازلا على إرادة الشعب، حقنا للدماء، ودرءا للمفسدة.

صمت محاوري فشجعني على الاسترسال: لا يسلم ولا تسلمون لأسباب كثيرة منطقية، الحكام لأنهم درجوا على سرقة شعوبهم وتكديس الثروات، وبناء القصور وعمل سياج حوله من البشر والحجر، والعيش بمستوى أسطوري يعجز عنه الخيال، تظهر هذه الحقائق عندما يسقطون مجبرين ويدخل الثوار بيوتهم بل قصورهم في غيبتهم، وتقع أعينهم على ما لا عين رأت، يدركون وقتها لماذا هم يتشبثون بمواقعهم وبالنعيم الذي يشعرهم بأنهم آلهة مخلدون ولهم ملك البلاد والعباد.

أما الآخرون الرافضون للثورة والمؤيدون للحاكم، فإما من أصحاب سلطة ونفوذ، وإما لهم الصدارة والوجاهة في مجتمعهم، وعلى أقل تقدير ليسوا مضرورين في شيء مع هذا الحكم، وليسوا معنيين بشأن الفئة الكبيرة المطحونة الذين بلغ بهم الفقر مبلغه، والذي يطمئنني أن الثوار البواسل برغم هذه القوة الباطشة الغاشمة أنهم لا يتراجعون، لا يرهبهم بطش ولا يوقفهم ترجل الفرسان من حولهم، وسينتصرون، وسيرحل الطغاة مدحورين، وسيجني الخزي المؤيدون.. ومن لم يقرأ واقع من سبقه بعينيه سيشعر به صفعة علي الخد.

ثم تعالى لنرى ماذا حقق؟

ــ أصدر قرارا بإلغاء قانون الطوارئ هذا معناه أنه كان يحكم البلد منذ توليه بالطوارئ المفروضة من عام  1963 وكان لابد من الثورة عليه.

- أصدر مرسوما بمنح الجنسية للمواطنين الأكراد، معناه أنه كانت توجد قنبلة موقوتة تشكل عشرة في المائة من مجموعة السكان لابد أن تنفجر في أي وقت.

- أعلن عن إجراء حوار وطني لمعالجة القضايا التي فجرت الاحتجاجات، لماذا المحاورات بعد الانفجار؟!

- أصدر عفوا عاما عن السياسيين المسجونين والمعتقلين، واتخاذ مبادرات لاسترضاء الإسلاميين، معناه أنه يوجد من يخالفه في الرأي فيتم اعتقالهم بدلا من استيعابهم، بل كان يطبق عقوبة الإعدام على كل من يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين، وكان حظرا مفروضا على ارتداء النقاب.

- أعلن عن تخفيض أسعار الوقود للتخفيف عن المواطنين، إذا لقد تركهم يعانون وفي امكانه التخفيف عنهم من قبل الانفجار.

- وعن إبعاد الأشخاص الذين ساءت سمعتهم، لماذا الآن وقد تركهم حتى ساءت سمعتهم؟!

ثم إن ذلك كله لم تكن له مصداقية أو قدر كاف من التحقيق، بل ما كانت له المصداقية هو إراقة الدماء وسقوط الشهداء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق