يتمنعن وهن الراغبات
نادية كيلاني ـ ألألوكة تاريخ
الإضافة: 31/5/2010 ميلادي - 17/6/1431 هجري
يتمنعن وهن الراغبات عبارةٌ ترْفضها النساء؛
لكنَّني أوافق عليها.
ترفضها النساء لأنَّها ترتبط في الأذهان
بمعنى حسّي (جنسي)، وأقبلها بعد تعْميمها، لا حصرها.
وحسْب الرّواية أنَّ سيدنا عليًّا - رضي الله
عنه - هو قائلها، وبالطَّبع في حقّ السيدة فاطمة - رضي الله عنها - حين تمنَّعتْ
عليه، وهذه القصَّة - رغم عدَم عِلْمي بمدى صحَّتها - أُنكرها من ناحية، نُنكرها
من سيدنا عليّ، وأنكرها في حقّ سيّدة النساء التي تتحرَّى الحلال في كلّ خطواتها.
وسواء قالَها سيِّدُنا علي أم قالها غيرُه،
فقد قيلتْ، ومن رجُلٍ، وأصبحتْ مضْرِب المثل لكلِّ مَن تتمنَّع عمَّا يريده
الرَّجُل.
وأتساءَل: هل التمنُّع كنوع من الدّلال
الَّذي تتميَّز به المرأة يعاب عليها؟
هل الرَّغبة وحْدها هي السَّبب الوحيد في عدم
التمنُّع حتَّى لو كانت في غير محلِّها، أو غير أوانها؟
هل الرَّغبة فيما يملك الغير لا توجب
التمنّع؟
هل كلّ ما يرغبه الإنسان لا بدَّ أن يستميتَ
حتَّى يحصُل عليه، مع علْمِنا أنَّ النَّفس أمَّارة بالسّوء، وأنَّه لو أَتَى ابنَ
آدم جبلٌ من ذهبٍ لتمنَّى الآخر؟!
إذًا؛ فمتى يقنع؟ ومنْ أمام كلّ هذه المغريات
اتّهم بالتمنُّع؟!
ببساطة، وحسب المقولة الشَّهيرة: هُنّ.
ونعتبر أنَّ المقولة صحيحة، ونعمِّمُها ولا
نحصرها في معنى خاصّ.
فإذا تمنَّعت وهى راغبة، ألا يُحسب ذلك ميزة
لها، وتدلّ على قوَّة إرادة وضبْط نفس، فضلاً عن التمسُّك بالمبادئ وعدم السَّير
وراء الضلال؟!
وإذا اكتشفت المرأة أنَّ هذا الَّذي تعشَقه
إنسان سادي، كاذب، به سوء خلُق، وقرَّرت - رغْم حبِّها له - الابتِعاد عنه، ألا
تستحقّ التَّقدير لأنَّها قهرتْ رغبتَها وطوَّعت نفسَها لإرادتِها، ووطَّنت قلبها
لعقلها، دون أن تلاحقها مَخالب العبارة: "يتمنَّعن وهنَّ الرَّاغبات"؟!
سمعنا عن الذي يترك بيتَه وأولادَه من أجل
امرأة أُخرى سلبتْ لبَّه، وأضاعت عزْمَه؛ لأنَّه يرغب فيها، وقد تكون - في أغْلب
الأحيان - تُشْبِه زوجتَه.
المرأة تتمتَّع بقوَّة إرادة، فلا تجري
بسهولة وراء شهواتِها إلاَّ إذا كانت الطَّريق ممهَّدة، ونفسيَّتها تقبل.
أمَّا هو، فكلَّما أغلق الباب في وجهه كلَّما
صمَّم أن يقتحمه، فإذا رغب امرأة لا يهْدأ له بال ولا يُغْمض له جفن حتَّى يحصل
عليها، بحقّ أو بغير حقّ - إلاَّ مَن رحم الله.
المهمّ أن يحقِّق انتصارًا، فإذا تمنَّعت
عليه أطلق كثيرًا من العبارات التي تُرضي غروره كرجل.
فإذا قالت له: لا أحبُّك، قال: تكذب، الحبّ
يبدو في عينيْها، إنَّها تسوق الدّلال، أنا أفهم في هذا الصنْف جيّدًا، وأخيرًا
يطلق سهمَه: "يتمنَّعن وهنَّ الرَّاغبات".
ليْتَه تمنَّع وهو يرغب.
وهو في سبيل الوصول لغرضه يتذلَّل ويستعْطِف
ويستجدي، ويدفع الأمْوال ويرسم الخطَط، ويستأْجِر المنفِّذين و ....... و ........
الرَّجُل إذا طمع في منصب تسلَّق وكتب
الشَّكاوى، وأوْقع بين النَّاس لكي يحْصل على المنصب، ليته تمنَّع وهو يرغب!
لو رغِب في الشّهرة لم ينم اللَّيل، وتملَّق
ومسح "الجوخ والكستور"؛ حتَّى يحقّق غرضه ويتحمَّل التهكُّم عليه، وقد
يعمل "مرمطونًا" لِمَن سيوصّله للشهرة، ليتَه تمنَّع وهو يرغب!
أليست هناك مِن حالات حبّ فشلَتْ، وخطوبة
فُصِمَت، وزيجة فُسِخت، بتصميم من المرأة؟!
أليس من حقِّها أن تعلن عدم رغبتِها بكامل
إرادتها وحرّيَّتها، فكيف تعلن عن ذلك إلاَّ بعبارات الرَّفض التي لا يقبلها
الرَّجُل، ويدَّعي أنَّه العليم بسريرتِها أكثر منها؟!
ثمَّ هو يتقرَّب بكلّ أنواع التقرّب، ويقدّم
كل أنواع الوعود، ويقسم بأغْلظ الأيمان على صدقه، حتَّى إذا كسب ودَّها بالحيلة
والخديعة، وإذا ما نال مأْربه، ينسى ما قد فعل، ويتذكَّر أنَّه الصَّيَّاد الماهر،
والَّذي لا توجد مَن تتأبَّى عليه، ثمَّ يبدأ في نشْر شباكه حول فريسة أخرى، ليته
تمنَّع وهو يرغب!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق