هل يعقل؟
نادية كيلاني: المشهد 8-10-2011 |
18:21
أن تحبَّ رجلاً طوال عمرك، وتأتي في آخر عمرك
تحبه أكثر.. هذا ما حدث معي ومعك ومع معظم أهل مصر، ومعظم أهل الوطن العربي ككل.
لعلك متحير من هذا الرجل الذي أحكي عنه،
ولعلك أكثر فطنة، وعرفت على الفور أنه جمال عبد الناصر.. الزعيم الذي أعطى الأمة
العربية الهيبة والفخامة.. الزعيم النزيه الوطني الشريف.. الزعيم الذي أنجز وغيَّر
وبنى وعمَّر وحرر، زعيم لم تنل منه معاول المغرضين وسموم الحاقدين وغدر أصحاب
المصالح.
جاء بمبادئَ ستة: القضاء على الاستعمار،
القضاء على سيطرة رأس المال، القضاء على الفساد، إقامة حياة ديمقراطية سليمة،
إقامة عدالة اجتماعية، إقامة جيش وطني قوي.
جمال اسم ومعنى.. ودع الملك المخلوع باحترام
وشياكة، وأجلى الإنجليز عن بلدنا بمعاهدة موثقة، فحقق المبدأ الأول، ووزع فائض
الأغنياء على الفقراء، فحقق المبدأ الثاني، فلم يمتلكوا أرضًا فقط؛ بل تعلموا
بالمجان، فحقق العدالة الاجتماعية.
بنى المساكن الشعبية التي أنقذت الكثيرين من
العدم، ثم هو الزعيم الذي أمم قناة السويس وبنى السد العالي وبرج القاهرة، هو
الزعيم الذي ساعد كثيرًا من الدول العربية على التحرر من مستعمريهم، وعمل على
تجميع الأمة العربية، فخشيه العدو.. الزعيم الذي لم يتنكر للخطأ وأعلن تحمله وحده،
وتنازل عن كرسي الرياسة مبديًا استعداده للدفاع عن الوطن في صفوف الأفراد.. هو
الزعيم الذي ألهب الدنيا فصارت كخلية نحل تفرز عسلاً مصفَّى، ولما خرج الشعب
وأعاده إلى مكانه، لم يركن لذلك؛ بل بدأ حربًا لاستنزاف العدو، ووجه له ضربات
موجعة، وهو في الوقت ذاته يعيد بناء الجيش من جديد ويجدد شبابه، وبالخطط المبتكرة،
مستفيدًا من الآراء، مصغيًا للصغير والكبير في ديمقراطية واعية، منتظرًا الوقت
المناسب ليسدد للعدو الضربة القاضية، ولكن القدر لم يمهله.
وجاء قضاء الله في غفلة منا، أو قل: إننا لم
نصل لحد الارتواء.. رحل الزعيم الذي خطط لنصر أكتوبر، فحدث كما أراد بالتمام، ففي
عهده جاء الضابط "باقي" بفكرة ضخ المياه بصورتها التي حدثت، وفي عهده تم
احلال الجندي المثقف مكان الجندي العادي.
كل هذه الأشياء نعلمها من قبل ونحبه من
أجلها، والرجل مات ولم تستجدَّ منه أشياء تزيد من معزته مثلاً، ولكن المفاجأة تكمن
في المقارنة بين زعيم رحل من واحد وأربعين سنة، وآخر حكم ثلاثين سنة، زعيم مات
نحمل صورته ونطالب بمثله، وآخر خلف القضبان مريض بالخجل، زعيم مازال اسمه يكتب من
نور، وآخر ينزع اسمه أمام عينيه وهو حي ميت، الغريب أن الذي مازال في القلب وملء
السمع والبصر مات فقيرًا، والذي يود الجميع تمزيقه يمتلك المليارات والعقارات، فيا
من تعتقدون أن بالمال تفتح الأبواب، وبالمال تحقق قيمتك، خذ العبرة واعتبر، وقل:
اللهم لا شماتة وأحسن ختامنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق