ألسنا على موعد
أتبع نظاما قاسيا.. نكاية فى الدود..
فلا يأخذ وقتا طويلا عند مائدتى يشبع ويتكاثر..
بل أجعله ينخر فى الحسرة.
وأسلوبى ليس بحرمانى من الطعام الدسم والحلويات
الشهية والنشويات بل بالصوم..
فمي صائم عن الغيبة، وجسدي عن المعصية، وطعامي الذكر الدسم، لكى يجرّي
دم التوبة في قلبي.
رياضتى الصلاة لوقتها وإتمام أركانها والاطمئنان
فى آدائها.. والتفكر فى آياتها.
إذا كان الله لى عونا ستكون حياتي مع هذا النظام
أشهى وأنعم، ومبيدا حشريا لدود يتربص ويمني نفسه بسفرة عامرة بملاقاتى.
سأعذب هذا الجسد المتمرد الذى يريد أن يتنعم ويعشق
الراحة، وأوزع للفراش أن يطرده من قمة استغراقه فى النوم، فينهض ليتهجد لمالك يوم الدين،
يناجى حبيبه الرحمن الرحيم في جوف الليل البهيم، والناس نيام بأنفاس محشرجة ما بين
أحلام منعمة وكظيم..
أقول: يارب لأنك تحبني أكثر مما يدرك عقلي، تجاوز
عن هفواتى من غير قصد، وفرج همي ولا تجعل لي هم سواك، يا من تنشيء الليل لأهاتي.. والنهار
لمعاشي.. فكيف لا أشكرك على ليل ونهار.
لأنك العزيز الجبار تأخذني باللين، وتخفي عيوبى
عن عبادك الشامتين، ووهبتني من نعمك ما يفوق تصوري ومنايا.. فلماذا لا أطيل المكث ببابك
اعترافا بما لا أستحق لولا كرمك الكبير.
ولأنك الله: أطلب منك المغفرة، فما أذنبت عامدة
متعمدة، ولكنني أفتن فى كل عام مرة لأنى بشر.. ولأنك عفو تحب العفو فاعف عني يا مالك
القدر.
حين أنظر إلى السماء وأطيل النظر أراقب النجوم
في غير قدر، وتشرب روحى بديع صنعتك كي تدرك مدى قدرتك.. وقوتك.. ورحمتك..
ألا يضمن لى هذا ياربي رفعة الرأس بدلا من الحملقة
في وجوه كالحة لكثير من البشر، وأشكال من الأقنعة الزائقة.. وألوان من الأردية المقلدة
دون وعي..
لماذا لا أكون كما علمتني: صمتي فكرًا، ونُطقي
ذكرًا، ونظري عِبَرًا.
لماذا وأنت خالق هذا الجسد لا أعمل جاهدة على
حرمان الدود من جسدٍ لدِن، الجسد الذى نعمته بأنواع العطور، والحرير، كيف أتخيله صيدا
طريا أو أتخيله تنبعث منه رائحة الشواء من احتراق الدهن في نار السعير، أو أتخيله مختنقا
بعرقه من حر يوم القيامة تحت شمس أو زمهرير.
لماذا لا أعمل جاهدة على حرمان النار من أوصالى،
حتى لو كلفني ذلك الحرمان من متع الدنيا فهي فانية، ومؤقتة، ولا تغني من جوع، ومهما
بلغت ذروتها لا تساوي عندك جناح بعوضة ولا لحظة نعيم فى جنة الموعودين.
أليس حلما أن أدرك يوم الخلاص، أليس أملا أن أستظل
بظلك فاللهم أظلنا بظلك يوم لا ظل إلا ظلك، أليس أهم غاية يريدها الانسان أن يمر من
فوق الصراط يعرف هدفه إلى النعيم.. ثم..
ألسنا على موعد مع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت
ولا خطر على قلب بشر..
...................
نشرت بالمعهد العربي للبحوث والدراسات
بتاريخ 28/6/2009 (لكنها معدلة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق